نقد كويتي- حرية الصحافة والإخوان المسلمين بين الكويت والسعودية
المؤلف: خالد أحمد الطراح11.13.2025

قليلون هم أولئك الذين يتحلون بعقلية متفتحة، والذين يتقبلون وجهات النظر المغايرة، ويتعاملون مع الواقع بمنطق عملي، والذين ينظرون بموضوعية إلى ما يُنشر في الصحافة السعودية وفي دول الخليج الأخرى ذات الأنظمة السياسية المتباينة عن الكويت.
إننا ربما لا نبالغ إذا ما أشرنا إلى حجم التطورات التنموية والسياسية والثقافية الهائلة التي انطلقت في السعودية، وكذلك في بقية دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الإصلاحات العميقة والعلنية التي تجتاح الفساد.
لقد استضافت السعودية فعاليات ومهرجانات فنية ورياضية وترفيهية متنوعة، وقدمت برامج تلفزيونية جريئة تتسم بالصراحة والتحرر في طرح الأسئلة والحوارات، وذلك بهدف إطلاق العنان للإبداع والتفوق الإعلامي، بينما الكويت لا تزال ترتعد خوفاً من إقامة الحفلات بسبب تنامي التيارات الأصولية وتقييد الحريات العامة والذوق العام!.
لقد كانت الكويت رائدة على مستوى العالم العربي والخليجي في تبني نموذج النظام الديمقراطي الدستوري، الذي واجه العديد من العقبات والتحديات، لكنه صمد في وجه المصاعب المصطنعة والمفتعلة من قبل بعض الجهات الحكومية والبرلمانية، ومن داخل المؤسسة التشريعية نفسها!.
يثير الاستياء والمرارة تلك العقلية الانتقامية التي تسيطر على بعض العقول الكويتية التي يُفترض أنها مستنيرة ومنفتحة، بدلاً من أن تكون متحجرة وضيقة الأفق. هذه العقول لا تتجاوز الماضي، ولا تحاول إجراء مقارنات عادلة بين الكويت والسعودية، بل على العكس، تسعى إلى التقليل من شأن السعودية، وتجاهل التطورات والإصلاحات السياسية التي لا غبار عليها، وتهميش دورها في تعزيز الحريات الصحفية.
عندما نشرتُ مقالاً حول "ميكافيلية الإخوان في الكويت"، تلقيتُ تعليقات قيمة من شخصيات ثقافية وفكرية كويتية مرموقة، تمكنت من تحليل مضمون المقال وفصله عن النظام السياسي السعودي. في المقابل، أبدى بعض أنصاف المثقفين ومحدودي الخبرة في التفكير والتحليل اتفاقهم مع فكرة المقال، لكنهم تحفظوا على نشره في صحيفة "عكاظ"؛ بحجة أنها صحيفة سعودية!.
إذاً، أين يمكننا أن ننشر عن تنظيم الإخوان المسلمين في الكويت، وعن مشاريعهم المشبوهة وتحالفاتهم السرية وتزويرهم للتاريخ؟!.
هل يُسمح بالنشر في الكويت عن جمعية الإصلاح الاجتماعي، التي تعتبر الوعاء السياسي للإخوان، وعن تنظيم الإخوان بشكل عام وقياداتهم البارزة، وعن مصادر تمويل لجان الجمعية وعلاقتها بحركة "حماس"، الجناح الفلسطيني للإخوان؟!.
من الطبيعي أن تتحفظ الصحافة الكويتية على نشر أي معلومات تتعلق بالإخوان المسلمين، باستثناء بعض المناقشات السطحية التي تهدف إلى رفع العتب المهني وإضفاء بعض الزخرفة على الكتابة والنشر. والسبب في ذلك هو أن قلوب بعض الصحفيين العرب المنتمين للإخوان تسيطر على دفة التحرير والإخراج في الصحف الكويتية، وتعمل على تحريف الخطابات الرسمية، كما حدث في بعض الخطابات السامية!.
لقد تكرر التدخل المتعمد في بعض الخطابات السامية المتعلقة بالاحتلال الإسرائيلي من قبل مجموعة من العناصر الإخوانية العربية الموالية لبقايا نظام محمد مرسي، حيث قاموا باستبدال مصطلح "سلطة الاحتلال الإسرائيلية" بـ "الكيان الصهيوني"!.
إن مصطلح "الصهيونية" أو "الكيان الصهيوني" ليس مصطلحاً سياسياً شائعاً في المحافل الدولية، ولا يعتبر تعبيراً مقبولاً وعقلانياً لدى الكتاب الغربيين، حتى عندما يوجهون انتقادات حادة لإسرائيل، فإنهم يتجنبون إقحام مصطلح الصهيونية في سياق الوضع الراهن في قطاع غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام.
فماذا يعني كل ذلك؟!.
يعني أن للإخوان أذرعاً إعلامية عربية متغلغلة في الكويت، تستند إلى دعم قوي من شخصيات كويتية ذات نفوذ سياسي وديني وازن، لكن الحكمة غائبة، وربما ننتظر حتى تقع الكارثة، مع أنها قد وقعت بالفعل مرات عديدة!.
لقد وجه لي بعض أشباه المثقفين الجدد انتقادات لاذعة بسبب نشري مقالات عن الإخوان المسلمين في الكويت في صحيفة "عكاظ" وصحيفة "إيلاف" الإلكترونية، معتبرين أنهما صحيفتان سعوديتان. إلا أن الحقيقة هي أن صحيفة "إيلاف" مسجلة في بريطانيا وتخضع للقانون البريطاني، وناشرها هو الأخ عثمان العمير، وهي ليست صحيفة تابعة للحكومة السعودية.
كنا نتفهم المد القومي وترسبات الماضي في الستينيات، عندما كانت المنطقة تعج بالشعارات الصاخبة والحماس للقومية العربية، لكن المعادلات السياسية والفكرية قد تغيرت، في حين ظل البعض أسيراً لتلك الترسبات، دون أن يتعمقوا ويتأملوا في الوضع العربي بمعزل عن مصدره، سواء كان سعودياً أو غربياً!.
إن تغيير القناعات ممكن في المجتمعات المتحضرة والمتفهمة للواقع، لكن تغيير الصور النمطية عن الآخرين، وتحديداً عن السعودية، يبدو تحدياً فكرياً كبيراً، خاصة في ظل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الحالي، والانغلاق على عقلية الانتقام من الأنظمة الملكية كالسعودية!.
أنا شخصياً سأحرص على النشر والكتابة في الصحافة السعودية، وخاصة في صحيفة "عكاظ"، وسأحرص أيضاً على مواصلة النشر في صحيفة "إيلاف"، التي أتاحت لي بيئة حوار سياسي وفكري من دون أي تدخل يذكر، على عكس تجربتي في الصحافة الكويتية!.
أما ما يروجه "الإخوان" في الكويت حول التطبيع السعودي مع إسرائيل، وغيرهم من (الليبراليين) المنغلقين على ترسبات الماضي القومي العليل، فهو مجرد وهم مريض لا يستحق سوى الشفقة!.
* إعلامي كويتي
إننا ربما لا نبالغ إذا ما أشرنا إلى حجم التطورات التنموية والسياسية والثقافية الهائلة التي انطلقت في السعودية، وكذلك في بقية دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الإصلاحات العميقة والعلنية التي تجتاح الفساد.
لقد استضافت السعودية فعاليات ومهرجانات فنية ورياضية وترفيهية متنوعة، وقدمت برامج تلفزيونية جريئة تتسم بالصراحة والتحرر في طرح الأسئلة والحوارات، وذلك بهدف إطلاق العنان للإبداع والتفوق الإعلامي، بينما الكويت لا تزال ترتعد خوفاً من إقامة الحفلات بسبب تنامي التيارات الأصولية وتقييد الحريات العامة والذوق العام!.
لقد كانت الكويت رائدة على مستوى العالم العربي والخليجي في تبني نموذج النظام الديمقراطي الدستوري، الذي واجه العديد من العقبات والتحديات، لكنه صمد في وجه المصاعب المصطنعة والمفتعلة من قبل بعض الجهات الحكومية والبرلمانية، ومن داخل المؤسسة التشريعية نفسها!.
يثير الاستياء والمرارة تلك العقلية الانتقامية التي تسيطر على بعض العقول الكويتية التي يُفترض أنها مستنيرة ومنفتحة، بدلاً من أن تكون متحجرة وضيقة الأفق. هذه العقول لا تتجاوز الماضي، ولا تحاول إجراء مقارنات عادلة بين الكويت والسعودية، بل على العكس، تسعى إلى التقليل من شأن السعودية، وتجاهل التطورات والإصلاحات السياسية التي لا غبار عليها، وتهميش دورها في تعزيز الحريات الصحفية.
عندما نشرتُ مقالاً حول "ميكافيلية الإخوان في الكويت"، تلقيتُ تعليقات قيمة من شخصيات ثقافية وفكرية كويتية مرموقة، تمكنت من تحليل مضمون المقال وفصله عن النظام السياسي السعودي. في المقابل، أبدى بعض أنصاف المثقفين ومحدودي الخبرة في التفكير والتحليل اتفاقهم مع فكرة المقال، لكنهم تحفظوا على نشره في صحيفة "عكاظ"؛ بحجة أنها صحيفة سعودية!.
إذاً، أين يمكننا أن ننشر عن تنظيم الإخوان المسلمين في الكويت، وعن مشاريعهم المشبوهة وتحالفاتهم السرية وتزويرهم للتاريخ؟!.
هل يُسمح بالنشر في الكويت عن جمعية الإصلاح الاجتماعي، التي تعتبر الوعاء السياسي للإخوان، وعن تنظيم الإخوان بشكل عام وقياداتهم البارزة، وعن مصادر تمويل لجان الجمعية وعلاقتها بحركة "حماس"، الجناح الفلسطيني للإخوان؟!.
من الطبيعي أن تتحفظ الصحافة الكويتية على نشر أي معلومات تتعلق بالإخوان المسلمين، باستثناء بعض المناقشات السطحية التي تهدف إلى رفع العتب المهني وإضفاء بعض الزخرفة على الكتابة والنشر. والسبب في ذلك هو أن قلوب بعض الصحفيين العرب المنتمين للإخوان تسيطر على دفة التحرير والإخراج في الصحف الكويتية، وتعمل على تحريف الخطابات الرسمية، كما حدث في بعض الخطابات السامية!.
لقد تكرر التدخل المتعمد في بعض الخطابات السامية المتعلقة بالاحتلال الإسرائيلي من قبل مجموعة من العناصر الإخوانية العربية الموالية لبقايا نظام محمد مرسي، حيث قاموا باستبدال مصطلح "سلطة الاحتلال الإسرائيلية" بـ "الكيان الصهيوني"!.
إن مصطلح "الصهيونية" أو "الكيان الصهيوني" ليس مصطلحاً سياسياً شائعاً في المحافل الدولية، ولا يعتبر تعبيراً مقبولاً وعقلانياً لدى الكتاب الغربيين، حتى عندما يوجهون انتقادات حادة لإسرائيل، فإنهم يتجنبون إقحام مصطلح الصهيونية في سياق الوضع الراهن في قطاع غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام.
فماذا يعني كل ذلك؟!.
يعني أن للإخوان أذرعاً إعلامية عربية متغلغلة في الكويت، تستند إلى دعم قوي من شخصيات كويتية ذات نفوذ سياسي وديني وازن، لكن الحكمة غائبة، وربما ننتظر حتى تقع الكارثة، مع أنها قد وقعت بالفعل مرات عديدة!.
لقد وجه لي بعض أشباه المثقفين الجدد انتقادات لاذعة بسبب نشري مقالات عن الإخوان المسلمين في الكويت في صحيفة "عكاظ" وصحيفة "إيلاف" الإلكترونية، معتبرين أنهما صحيفتان سعوديتان. إلا أن الحقيقة هي أن صحيفة "إيلاف" مسجلة في بريطانيا وتخضع للقانون البريطاني، وناشرها هو الأخ عثمان العمير، وهي ليست صحيفة تابعة للحكومة السعودية.
كنا نتفهم المد القومي وترسبات الماضي في الستينيات، عندما كانت المنطقة تعج بالشعارات الصاخبة والحماس للقومية العربية، لكن المعادلات السياسية والفكرية قد تغيرت، في حين ظل البعض أسيراً لتلك الترسبات، دون أن يتعمقوا ويتأملوا في الوضع العربي بمعزل عن مصدره، سواء كان سعودياً أو غربياً!.
إن تغيير القناعات ممكن في المجتمعات المتحضرة والمتفهمة للواقع، لكن تغيير الصور النمطية عن الآخرين، وتحديداً عن السعودية، يبدو تحدياً فكرياً كبيراً، خاصة في ظل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الحالي، والانغلاق على عقلية الانتقام من الأنظمة الملكية كالسعودية!.
أنا شخصياً سأحرص على النشر والكتابة في الصحافة السعودية، وخاصة في صحيفة "عكاظ"، وسأحرص أيضاً على مواصلة النشر في صحيفة "إيلاف"، التي أتاحت لي بيئة حوار سياسي وفكري من دون أي تدخل يذكر، على عكس تجربتي في الصحافة الكويتية!.
أما ما يروجه "الإخوان" في الكويت حول التطبيع السعودي مع إسرائيل، وغيرهم من (الليبراليين) المنغلقين على ترسبات الماضي القومي العليل، فهو مجرد وهم مريض لا يستحق سوى الشفقة!.
* إعلامي كويتي
